في الماضي في مثل هذه الأوقات من نهاية العام الدراسي كان الآباء والأجداد أكثر الرابحين بهذه الإجازة التي يسعدون فيها برؤية أبنائهم وأحفادهم القادمين من المدن الكبيرة، فآنذاك كان الترابط العائلي صلبا لدرجة يصعب معها تهاون الأبناء عن مشروع العودة في الصيفية إلى الديار الأم.
كانت قبلة كل أسرة «ديرتها»، وبشوق كبير، فمنذ بداية السنة الدراسية تستمع الحيطان إلى وعود من الأب (إذا رحنا عند جدانكم)، وأسئلة من الصغار (متى نروح لجدي؟)، ثم بعد أن تنصرم العطلة ونعود للمدرسة ندخل في مارثون كبير تتشارك فيه المدرسة تحت عنوان (عند جدي) أو (كانت جدتي)، الحكايات كلها مسكوبة من الموروث الشعبي، والانتماء القبلي، حكايات جديدة، ومفردات. كان الاسم الحركي للعطلة المدرسية هو (الصيفية)، وفي الصيفية كانت أجندة الأعراس، واجتماع إخوان وأخوات، والمناسبات الاجتماعية، لذلك كانت (الصيفية في القرية) أو البلدة (مغناطيس) يجذب كل أبناء القرية، كانت المعادلة بر والدين أولا، ثم تذكير القبيلة بأن لهم في ديار بعيدة «صبيا» إذا جاء صوت النداء «يجي يعدي».
ثم لأسباب لا أستوعب أغلبها، تحولت مسارات (الصيفية) إلى خارج حدود القرية والقبيلة، باتت سفرا نحو التقاط ثقافي مختلف، أصبحنا نردد في كل عام «الصيف قرب والسفر حان طاريه» (أنا هنا لا أحدد موقفا تجاه السفر إلى الخارج) لكن أريد تحديد صوتي المنغمس بالحسرة من جفاء السفر إلى الداخل، أو اختصاره بعدة أيام.
غابت (الصيفية)، لم تعد ضيفا مميزا كما كانت، ولم يعد لحكاياتها سياق للسرد، باتت حكاياتها أسرار (تودي في داهية)، كما أن كلمة (ألوه) بعد ضغطة زر لم تقلص المسافات فقط، بل قلصت أيضا الشوق، الفقد، الحنين و«الوحشة»، ثم عندما أتت (مكالمات الفيديو) ذهبت (الصيفية) إلى البعيد البعيد.
الصيفية كانت جزءا من ثقافتنا لعقود، ثم طوتها التقنية، كذلك سوف تفعل التقنية بأجزاء من ثقافاتنا، فالتقنية تسرق الثقافة، تلتهمها، وربما تلغيها، وتصنع الحرمان، حرمانا بحجم عدم قدرة (ابن الإنترنت) على تمضية كل أيام وليالي الصيفية يحفظ في طيات قلبه (حكايات سمعها أو قصصا عاشها) من أجل رؤية اكتظاظ عيون أقرانه في المدرسة بموجات من الدهشة أثناء استماعهم للحكايات.
كان أجمل ما يحدث لأحدنا في أول أسبوع مدرسي يأتي بعد الصيفية هو تلقيه من أستاذه (قم، كلمنا عن إجازتكم) يحدث هذا كثيرا عندما تتأخر كتب المناهج المدرسية، حينها كنا نسمع تجارب زملاء الفصل المدرسي بنوعية من الاحترام والإنصات الذي بات غير متاح حاليا حتى عندما يتحدث كبار قومنا في الإنترنت أو البيت.
Sultan_aldosary@hotmail.com
كانت قبلة كل أسرة «ديرتها»، وبشوق كبير، فمنذ بداية السنة الدراسية تستمع الحيطان إلى وعود من الأب (إذا رحنا عند جدانكم)، وأسئلة من الصغار (متى نروح لجدي؟)، ثم بعد أن تنصرم العطلة ونعود للمدرسة ندخل في مارثون كبير تتشارك فيه المدرسة تحت عنوان (عند جدي) أو (كانت جدتي)، الحكايات كلها مسكوبة من الموروث الشعبي، والانتماء القبلي، حكايات جديدة، ومفردات. كان الاسم الحركي للعطلة المدرسية هو (الصيفية)، وفي الصيفية كانت أجندة الأعراس، واجتماع إخوان وأخوات، والمناسبات الاجتماعية، لذلك كانت (الصيفية في القرية) أو البلدة (مغناطيس) يجذب كل أبناء القرية، كانت المعادلة بر والدين أولا، ثم تذكير القبيلة بأن لهم في ديار بعيدة «صبيا» إذا جاء صوت النداء «يجي يعدي».
ثم لأسباب لا أستوعب أغلبها، تحولت مسارات (الصيفية) إلى خارج حدود القرية والقبيلة، باتت سفرا نحو التقاط ثقافي مختلف، أصبحنا نردد في كل عام «الصيف قرب والسفر حان طاريه» (أنا هنا لا أحدد موقفا تجاه السفر إلى الخارج) لكن أريد تحديد صوتي المنغمس بالحسرة من جفاء السفر إلى الداخل، أو اختصاره بعدة أيام.
غابت (الصيفية)، لم تعد ضيفا مميزا كما كانت، ولم يعد لحكاياتها سياق للسرد، باتت حكاياتها أسرار (تودي في داهية)، كما أن كلمة (ألوه) بعد ضغطة زر لم تقلص المسافات فقط، بل قلصت أيضا الشوق، الفقد، الحنين و«الوحشة»، ثم عندما أتت (مكالمات الفيديو) ذهبت (الصيفية) إلى البعيد البعيد.
الصيفية كانت جزءا من ثقافتنا لعقود، ثم طوتها التقنية، كذلك سوف تفعل التقنية بأجزاء من ثقافاتنا، فالتقنية تسرق الثقافة، تلتهمها، وربما تلغيها، وتصنع الحرمان، حرمانا بحجم عدم قدرة (ابن الإنترنت) على تمضية كل أيام وليالي الصيفية يحفظ في طيات قلبه (حكايات سمعها أو قصصا عاشها) من أجل رؤية اكتظاظ عيون أقرانه في المدرسة بموجات من الدهشة أثناء استماعهم للحكايات.
كان أجمل ما يحدث لأحدنا في أول أسبوع مدرسي يأتي بعد الصيفية هو تلقيه من أستاذه (قم، كلمنا عن إجازتكم) يحدث هذا كثيرا عندما تتأخر كتب المناهج المدرسية، حينها كنا نسمع تجارب زملاء الفصل المدرسي بنوعية من الاحترام والإنصات الذي بات غير متاح حاليا حتى عندما يتحدث كبار قومنا في الإنترنت أو البيت.
Sultan_aldosary@hotmail.com